
دَعِ القلوبَ لله…
بقلم : عبد الحق الفكاك
جاءني ذات مساء، لا يحمل في عينيه نورًا، ولا في صوته حياة…
جلس قبالتي كمن أنهكته الطرقات، وقال بصوتٍ متهدّج:
“كلهم يبتسمون، وكلهم يخدعون… ما عدتُ أرى وجهًا صادقًا ولا نيةً طاهرة…”
لم أسأله عن الدليل، لم أجادله، ولا طلبت منه إثباتًا على ما رأى…
فأنا أعرف قلبه، وأعرف أن القلوب الطيبة حين تُخذل، تُصبح أكثر قسوةً مما نتصور.
لكنني همست له، كما تهمس نسمة المساء لعاشق تعب من الشوق:
“لا تدقق كثيرًا يا عزيزي … لا تفتّش خلف كل ابتسامة،
فإنهم إن دققوا في الماس، قالوا إنه مجرد فحم،
وإن دققوا في النجوم، اكتشفوا أنها كتل من نار…
ومع ذلك، نظل نُحبّ الماس، ونُبتهج بالنجوم.”
دع عنك التنقيب في خفايا الناس، واترك وجوههم كما هي…
لا تحاول أن تمزق الحجب، ولا تسقط الأقنعة،
فما أجمل أن تكتفي منهم باللطف الذي يُظهرونه، حتى وإن كان هشًّا، حتى وإن كان عابرًا.
أتعلم عزيزي ؟
من طلب صديقًا بلا عيب، عاش وحيدًا،
ومن فتّش في كل قلب بحثًا عن النقاء المطلق، مات مهمومًا، وحزينًا، وربما خسر نفسه قبل أن يخسر الآخرين.
قل لي، ما حاجتك بأن تكتشف الوجه الآخر في كل شخص؟
لماذا تُصرّ على أن تُمسك قلوبهم بيديك، لتقيس صدقهم أو كذبهم؟
دعك من ذلك… فلو اطلع الناس على ما في قلوب بعضهم البعض، لما تصافحوا إلا بالسيوف… وربما ما تدافنوا حتى!
فيا عزيزي، كن قدوة لا قاضيًا،
وازرع فيهم نورك بدلًا من أن تلعن عتمتهم،
وصافحهم بلطف، حتى لو كنت تعرف أن يدهم ليست نقية تمامًا…
فمن أجل راحة قلبك، ومن أجل طمأنينة بالك،
اصطبر على وخزات الحياة،
تحمّل بعض التمثيل، بعض النفاق،
واستقبل الناس كما هم، لا كما تريدهم أن يكونوا.
وإذا أردت أن تحيا بحب، فاترك الخفايا لرب الناس،
واكتفِ بما ترى، وتذكّر دائمًا أن القلب الذي يعفو، هو الذي يشفى،.