
غزة… الجوع الذي وشم جبين الإنسانية بالعار
بقلم: عبد الحق الفكاك
في لحظة صمت عالمي مريبة، ينهار الضمير البشري أمام مأساة إنسانية حقيقية تتجسد في قطاع غزة، حيث لم تعد الحرب تقف عند حدود القنابل والرصاص.
بل تحولت إلى تجويع ممنهج، وإبادة صامتة تسير ببطء لتنتزع الحياة من أفواه أطفال ونساء وشيوخ لا ذنب لهم سوى أنهم وُلدوا في أرض تقاوم.
ورغم أن صور الأجساد النحيلة التي أنهكها الجوع قد غزت شاشات العالم، ورغم أن صرخات الأمهات اللواتي فقدن أطفالهن جوعا قد بلغت عنان السماء، إلا أن الرد العالمي كان بليدا، متواطئا، أو في أحسن الأحوال… متأخرا.
لعل أكثر ما يثير الغضب والسخط في هذه اللحظة التاريخية ليس فقط وحشية الحصار ولا فظاعة الجريمة، بل ذاك التجاهل الفادح الذي أبدته أغلب القوى الدولية والمؤسسات الأممية.
إذ بينما يُزهق الجوع أرواح الأبرياء، وتُرسم المجاعة بأبشع صورها في شوارع غزة، تواصل عواصم القرار لعبتها المفضلة: الشجب اللفظي، والإدانة المترددة، والتماهي مع المصالح السياسية.
فما الجدوى اليوم من إرسال شاحنات غذاء بعد أن مات من مات؟
وما معنى أن تُفتح المعابر تحت شروط الإذلال وبعد شهور من الموت البطئ؟
حتى ولو أدخلوا كل غذاء العالم إلى غزة، فلن يُمحى العار الذي طُبع على جبين الإنسانية جمعاء.
ما حدث ويحدث في غزة اليوم، يتجاوز حدود المأساة العادية، ويتحول إلى جريمة مكتملة الأركان، شارك فيها بالصمت أو بالتواطؤ أو بالتبرير أطراف متعددة.
فمنظمات تُفترض أنها إنسانية تحوّلت إلى شاهد زور، ومجتمع دولي يُفترض أنه حارس للحقوق تحوّل إلى أداة ضغط على الضحية لا على الجلاد.
سيمر الزمن، وستكتب التقارير، وستُصوّر الوثائقيات، لكن سيبقى هذا الفصل من تاريخ الإنسانية محفورا كعلامة سوداء على الجبين البشري، تماما كما بقيت مجازر سابقة عارا في ذاكرة الأمم.
فما معنى الإنسانية إذا كانت تعجز عن إنقاذ أطفال يموتون وهم يطلبون كسرة خبز؟
ما معنى القانون الدولي إن كان لا يُطبق إلا وفق المزاج السياسي للدول القوية؟
ما يجري في غزة اليوم ليس فقط مأساة فلسطينية، بل امتحان أخلاقي للعالم بأسره، وقد رسب فيه الكثيرون.
فالصمت في زمن الجوع جريمة، والتجاهل في لحظة الإبادة خيانة، والتبرير لأي حصار مشاركة في القتل.
إن غزة لا تحتاج فقط إلى طعام وماء ودواء، بل إلى صحوة ضمير، إلى إنسانية تُستعاد، وإلى عار يُعترف به قبل أن يُمحى… إن أمكن.