
“نعم، سيفعلها…”
بقلم: عبد الحق الفكاك
ليست الحياة طويلة كما يظنها البعض، لكنها أيضاً ليست قصيرة كما يدّعي العابرون.
إنها مسار غريب، تتخلله محطات متداخلة، بعضها يمضي كنسمة، وبعضها الآخر يمر كريح عاصفة، تهزّنا، وتترك داخلنا شيئاً لا يُرمم.
في هذا المسار، نصادف وجوهاً لا تُنسى، وأرواحاً تخترقنا حدّ التماهي. منهم من نحب،
ومنهم من نختلف معه حدّ الغياب.
لكن في لحظة ما، في محطة بعينها، قد يحدث أن نفترق عن الذين أحببناهم بصدق.
قد يكون الفراق قاسياً، وقد لا نفهمه، لكنه يحدث… ويُكمل كل واحد منا طريقه، كغريب، حتى على نفسه.
ومع ذلك…
هناك من لا يقوى على النسيان.
هناك من يحبك بعمقٍ لا تفسّره الكلمات، ولا تقيسه المسافات.
ذاك الذي حين يفتقدك، لا يُسلِّم بالأمر الواقع، ولا يطوي صفحتك من قلبه.
بل يفتح كل الأبواب المغلقة، ويعود ليتفقدك في تفاصيل ذكراك.
هو لا ينسى، لا يهدأ، لا يشفى.
بل يحنّ إليك بصمت، يراك في ظل الغروب، في ضوء القمر، في كل أغنية كانت تجمعكما.
تجده في آخر الليل، يقلب الصور القديمة، يبحث عن صوتك في الفراغ، يهمس باسمك وكأنك ستجيبه.
يريد أن يراك…
أن يسمعك…
أن يمسك بيدك ولو لحظة،
ولو خُيّر أن يُمضي عمره كله في لحظة واحدة معك، لفعل، دون تردد.
نعم، سيفعلها.
سيمشي ألف درب، يقطع ألف ليل، يتحدى الصمت والخذلان والبعد.
سيتبع صدى حضورك حتى وإن كان وهماً.
سيغامر، يتألم، يحترق…
فقط لأنه يحبك.
لأنه لا يتخيل حياة لا تكون فيها.
لأنك، ببساطة… كل العالم بالنسبة له.
لكن لا تنسَ…
فقط من يعزك حقاً، من يحبك بصدق،
هو من يفعلها.
هو من يعود، ولو كان الغياب جبلاً بينكما.